صناعة الفشل 3: تفعيل نظام التدمير الذاتي

مقالات
بقلم #المصطفى_بورزمات

لا ترتبط صناعة الفشل، دائما، بانخفاض القدرة، أو قلة الطاقة، وهي بذلك غير مرتبطة بشكل حتمي تناسبي بالعجز والكسل.
من الوارد جدا أن يجند الانسان، على المستوى الفردي والجماعي، قدراته وموارده، ويمضي بكل حماس وعزيمة، بارادة تتحدى المعيقات، لصناعة الفشل.

يلجأ الانسان إلى كثير من السلوكات المدمرة للذات، سلوكات يبدوا واضحا له ولمن حوله، أنها تعود عليه بالضرر.

ومن أمثلة ذلك، تعاطي المخدرات، والادمان بمختلف أنواعه، والتهور في التعامل مع تطورات الحياة، والأكل وفق نظام غير صحي، والتوقفات غير المبررة عن المتابعة في مسارات ناجحة.
ويزداد الأمر وضوحا في حالات إيذاء الذات من خلال ضرب الجلد بأدوات حادة، أو هوس نتف الشعر، أو محاولات الانتحار.

تمت دراسة الأمر، وكانت خلاصة الدراسات، أن نظام التدمير الذاتي، وان كان في ظاهره غير منطقي، إلا أن صاحب السلوك التدميري، أو نظام سلوكات تدميرية، انسان له منطقه الخاص، الذي يمكننا من خلال الانصات إليه، بآليات الانصات التشخيصي، والانصات النسقي، أن نتوصل للفراغات، والانتقالات غير المنطقية، وأخطاء الدماغ، التي أوصلت إلى تبنيه.

لا يكمن خطر انخفاض الثقة بالنفس، وضعف تقدير الذات، في مجرد الحرمان من موارد للنجاح، بل الخطر الأشد هو انها مفاتيح للأداء المضاد ولصناعة الفشل.
حيث يتم تشغيل نظام التدمير الذاتي، عند غياب تقدير الذات، وفقدان الثقة بالنفس، في محاولات لتجريب الذات مع مشاعر أخف، أو التخفيف عنها بمشاعر إيجابية على المدى القريب، مقابل استعداد غير منطقي، ولا معقول، بعيدا عن التوازن، كما هو الحال في أمثلة تعاطي المخدرات والإدمان عموما.

إن تطور تشغيل هذا النظام إلى درجة الاضطراب، يدعونا إلى البحث عن الانتقالات المنطقية وغير المنطقية، التي توصل إلى تفعيله.
وهنا نجد المشاعر حاضرة، فالهروب من الاحساس بالقلق، من الممكن أن يؤدي الى تفعيل نظام التدمير الذاتي قصد الحصول على الغضب، هكذا تتم صناعة الفشل على مستوى موقف معين، أو خلال مرحلة معينة، وذلك بالهروب الى موقف يستدعي شعور الغضب، ويسمح بالانجرار للتصرف من منطلقه، وهو موقف أخف من التعامل مع “القلق”.
يمكننا تحليل هذا المثال من خلال افتراض حوار داخلي، يقول: “عليك الوقوع في مشاكل أو أزمات تجعلك غاضبا، لتفادي أزمتك التي تجعلك قلقا”

وهنا يتدخل صناع الفشل بطريقة ماكرة، أو عن حسن نية، من خلال خلط الأوراق، وتجريد التصرفات والسلوكيات من منطق معقول يمنحها معنى، وصناعة الوضعيات التي تؤدي الى اشتعال المشاعر السلبية بقوة، ودفع من يحيط بهم الى تفعيل نظام التدمير الذاتي.
إن صناعة الفشل مدخل لدراسة النجاح، وفي هذا السياق تأتي بعض فنيات تعديل السلوك لدى الأطفال والمراهقين، والكبار الذين لنا عليهم سلطة، ولديهم مستويات ذكاء منخفضة، ومنها التجاهل الذي يوصل رسالة تقول “لا جدوى من تفعيل نظام التدمير الذاتي لجذب الانتباه، وتحقيق الذات” أو فنية الاغراق التي تقول “خد ما تظنه كافيا من مشاعر من مواقف تدمير الذات، لكن بشرط تدخلنا لتوفير قدر معقول من الحماية وشروط السلامة” وفنية التصحيح المتكرر التي تنبه بشكل واع ومتكرر يلح على التعامل مع فراغات الانتقالات غير المنطقية، ومآلات الحلول المبنية على تدمير الذات.

Related Articles

Responses

Your email address will not be published. Required fields are marked *